خلقت مناهج البحث العلمي لتسهيل العمليات الدراسية و تحقيق نتائج مرضية و دقيقة للمشاكل التي تواجه العالم و الباحثين و أصبحت حاجة أساسية تؤكد و تلح وسائل النشر العلمي على الباحث استخدامها ، و نرى ذلك في شروط البحث العلمي و ضوابط النشر في المجلات العلمية المحكمة كثيراً ، والتي تؤكد على الباحث توضيح المنهج البحثي المتبع غالباً ، و تعد هذه المناهج البحثية تصنيفات تدل على الأسلوب و الخطوات الرئيسية في البحث بدءا من تحديد المشكلة و دراسة جوانبها من ملاحظة و وصف و التعرف على أصولها و صولاً لإقامة و وضع النواتج و ترسيخها.
و يعتبر المنهج التاريخي واحد من أهم مناهج البحث العلمي و القائم على تقديم دراسات وصفية للمشكلة و الاعتماد على المعرفة المسبقة به و على الفرضيات و المبرهنات السابقة و الحقائق المؤكدة لتقديم نتائج حقيقية بوثائق علمية لا يمكن نقدها أو التشكيك بها .
و المنهج التاريخي بالتعريف هو جمع البيانات القائمة على براهين و أدلة و دراسة جوانب الحقيقة و احتمالات الخطأ عن طريقها نقدها و وضع التساؤلات حولها و تقديمها كدلائل في الدراسة للخروج بحلول تجاه مشكلة أو ظاهرة علمية .
فالواقع مرتبط بشكل أو بآخر بالتاريخ و المتغيرات التاريخية و التي تنقل صورة المجتمع الحالي ، لذلك فاعتماد الباحث في دراسته على البيانات التاريخية سيساعد في تعريف جوانب الظواهر و تداعيات الخطأ و سبل تخطيها و تحقيق الأهداف المحسنة .
* خطوات عمل المنهج التاريخي
اعتمادا على هذه التعاريف و المعطيات للمنهج التاريخي نرى أن أسلوب الدراسة و شكل البحث و فق المنهج التاريخي يقوم على عدة مراحل أو محاور رئيسية و هي :
- التعرف على مشكلة البحث
المشكلة أو موضوع البحث هو أساس قيام أي دراسة و في المنهج التاريخي فإن تعريف الظاهرة مهم جدا في الشروع بالعمل ، فهذا المنهج معتمد في الدراسات القائمة على ظواهر مؤكدة أو حصل ظهورها سابقا و تم البت بأمرها ، و بالتالي لها تاريخ يعرف مسبباتها و آثارها و النشاطات المتأثرة بها .
- تجميع البيانات
بعد تحديد تاريخ المشكلة و التعرف بالمصادر و المراجع التي يمكن اللجوء إليها يقوم الباحث بجمع أكبر كم ممكن منها ، مثل الكتب في دور النشر و الجامعات و مشاريع التخرج السابقة و السجلات المدنية في المراكز الاجتماعية و الأبحاث المنشورة في مجلات علمية و غيرها ، و التأكد من موثوقيتها و من ثم وضع التساؤلات حولها و إجراء دراسة مفصلة عنها و عن معايير المجتمع الذي قامت به و مدى صلاحيتها في الواقع المعاصر .
- النقد و التفسير
و هذه مرحلة مهمة جداً من مراحل المنهج التاريخي و التي تحدد أساس المعلومات التي سيقوم عليها ، فصحتها تعني أساس جديد لبحث متين و نتائج مرضية ، أما في حال الارتكاز على معلومات مشكك بها أو مغلوطة فالنتيجة ستكون بحث علمي بنتائج فاشلة .
في هذه المرحلة يجب دراسة البيانات بطريقة علمية و الاتكال على النتائج كفرضيات للبحث القائم و بالتالي وضع كل معلومة قيد الدراسة و دراسة تاريخها و تأثيرها و مسببها و المنفعة التي قدمتها و رضا المجتمع العلمي عنها و من ثم اعتمادها.
- مرحلة الفرضيات
و فيها يعتمد الباحث على البيانات التي قام بجمعها من خلال عملية الفرز للمعلومات التاريخية التي جمعها و من ثم صياغة فرضيات و تساؤلات تقوده لوضع النتائج الحكيمة لهذه الدراسة .
- تدوين النتائج
و هي الخطوة الأخيرة و الأهم في المنهج التاريخي و أي منهج علمي ، و فيها يصيغ الباحث النتيجة و يربطها بالأهداف و التساؤلات التي وضعها و يقدم الحجج المقنعة لهذه النتيجة و يوضح الفائدة التي عادت بها على المجتمع أو التي تقدمها مبتعدا عن التحيز لدراسته أو مجتمعه أو الظاهرة بحد ذاتها و معبرا عن أهميتها مقارنة مع الدراسات التاريخية التي قام على أساسها أو طور بها .
* فوائد المنهج التاريخي
كل منهج علمي قائم على طبيعة دراسة محددة و خطوات مميزة عن غيره، و المنهج التاريخ متميز في خطواته و نتائجه و يقدم فوائد عدة مرتبطة بالأهميات و هي :
- يعتبر منهج للأبحاث الحديثة و المعاصرة و القائمة على مشاكل مرتبطة بالمجتمع و تحولاته.
- دراسة تاريخ المشكلة و حاضرها يقدم إمكانية التنبؤ بحلول للمشاكل المستقبلية.
- رفع مستوى المعرفة و الإدراك و الثقافة التاريخية للمجتمعات و العادات بالنسبة للباحث و المهتم بالبحث.
- التعرف على الدراسات الخاطئة السابقة و التي قام المجتمع عليها و تقديم النقد لتحسينها من خلال دراسة ميزاتها و مساوئها و تأثير نتائجها.
- تزيد من مستوى الإبداع لدى الباحث في عمليات النقد و الاطلاع.
- رفع الكفاءة و زيادة الخبرات لدى الباحثين في جمع المعلومات.
* ميزات و عيوب المنهج التاريخي
المنهج التاريخي متعمد كما ذكرنا سابقاً من قبل العديد من الباحثين في العلوم المختلفة و من أهمها و أكثرها اعتماما علوم الاقتصاد و الاجتماع و العلوم الإدارية و الإنسانية و المنطق و علوم البيئة الطبيعية و الدراسات الحيوية وغيرها من العلوم ، و كون هذا الاهتمام الكبير له فقد حدد المختصين في مناهج البحث العلمي ميزاته و عيوبه و التي من أهمها :
- الميزات
- قابلية اعتماده في مختلف أنواع العلوم.
- التعرف على أصل الظاهرة و المساهمات الفعالة التي قدمت في سبيل حل مشاكلها.
- الاعتماد عليه في تحديد الأسباب التي تعود لها الظاهرة.
- يعتبر منهج متداخل أو متشارك مع مناهج أخرى من خلال المساهمة الفعالة في دراسة الأبحاث القائمة عليها .
- منهج غير مكلف مقارنة مع بعض المناهج مثل التجريبي ، حيث المصادر متوافرة في الدراسات و المراجع السابقة المتداولة .
- عيوب المنهج التاريخي:
- صعوبة إعادة التجربة على المشاكل القديمة التي تتعلق بزمن ما للتأكد من صحتها و بناء الدراسة على أساسها.
- الدراسات القديمة قد لا تكون موثقة أو معتمدة من قبل مراكز علمية و ذلك لعدم توافرها بكثرة و بالتالي ضعف في القدرة على التأكد منها مما يؤثر على الدراسة المقامة .
- صعوبة وضع التوصيات لبعض النتائج و المصاحبة لمتغيرات زمنية سريعة، أو المقامة على أساس تنوع العينات.
* أدوات المنهج التاريخي
حفاظا على جودة العمل البحثي في المنهج التاريخي فلابد من جمع البيانات بأسلوب معين مركز على أدوات مخصصة في هذا المنهج و من أهمها :
- التحليل : و هي بسط المادة المدروسة و المصادر التي جمعها و تحليلها باستخدام التقنيات الحديثة.
- صياغة المادة التاريخية و الفروض المرافقة لها حسب مجال الدراسة و الاختصاص.
- العلاقة الزمنية من خلال دراسة أثر المشكلة في زمنها و مدى تأثيرها الحال و العلاقة و الاعتبارات التاريخية و نوعية المجتمع.